كوهين والقطيع

news image

 

✒️ بقلم عبدالله العميره – وكالة BETH

شرارة خفية

في كل موجة شائعةٍ تضرب الفضاء الرقميّ العربيّ يبرز اسمٌ مستعار، أو غرفةٌ مظلمة، أو حسابٌ مُبرمَجٌ بعناية. الحدثُ غالبًا سعوديُّ العنوان أو يُقحَم فيه اسمُ المملكة، ثم تُرمى الشرارة لتشعل حطبَ "القطيع" المتعطّش للصراخ.

غرف كوهين

«كوهين» هنا رمزٌ لخبير عملياتٍ نفسيةٍ لا يزال يعمل بعقلية الحرب الباردة؛ يستبدلُ المذياعَ بمنصّة «إكس»،أو الفيس بوك، أو التيك توك، ويحاولُ بتقنيةٍ قديمةٍ إحداثَ ضوضاءٍ جديدة. الغرفُ نفسها تغيّرت أدواتُها، لكنّ الفكرَ لم يتجدَّد: استهدافُ العلاقات السعودية–المصرية، ضخُّ خطابٍ هابطٍ بلَهجتين متقابلتين، وإغراقُ وسومٍ مُفتَعَلة بالردود العدائية.

صناعة الفتنة

توقيت محسوب: تُطلَق الإشاعةُ بعدما يتصدّر حدثٌ سعوديّ أو مصريّ  ( يٌعتقد أن لهما مساس ببعضهما ، أو ربط من أي نوع) وأحايين كثيرة يتم خلق ربط  من ذات الدماغ المشبوه ..

حسابات مقنَّعة: أسماءٌ وأعلامٌ وهمية تُجيد تقليد اللهجتين.

سيناريو واحد: تصعيدُ مناكفاتٍ عن "الإهانة" أو "التفضيل" ثم تصويرُها على أنّها أزمةُ شعبَين.

شائعات القطيع

للتفاصيل التصنيفية، يُستحسن العودة إلى مقال “ شائعات القطيع الخائف في أرشيف BETH ↗.

خطاب عدائي

لغةُ الهجوم متقنةُ القبح: مفرداتُ "الكرامة" و"الريادة" تُقلب إلى تهكّمٍ قوميّ متبادل. الذراعُ الإعلامية القديمة تُحقِن لفظًا وتترك الخوارزميات تُضخّم الصدى.

لماذا تخفت؟

رغم ضجيجها، تنطفئ أكثرُ هذه الحملات خلال أيّام. السبب؟

وعيٌ متصاعد عند الجمهور يتعرّف سريعًا على أنماطِ العداوة الجاهزة.

تكرارُ القالب نفسه بلا تطوير؛ ما يجعل الرسالةَ مكشوفةً حدَّ الملل.

ارتداد السمعة على صانع الشائعة؛ فالإهانة تُحمَّل على مصدرها.

ثغرات الوعي

هنا تلتقي فكرةُ انكماش الوعي التي ناقشناها سابقًا: فجوةٌ بين اعتقاد المعرفة وحقيقة الإدراك. العدوُّ يستثمر تلك الفجوة عبر "اقتصاد الانتباه"، فيحصد نقراتٍ ويزرع انقسامًا.

فرضية "التطعيم" الرسمي

هناك من يزعم أن جهاتٍ رسمية أو بحثية عربية تتغاضى عن هذا التراشق عمداً، إمّا لقياس نبض المجتمع أو لتفريغ شحنات الاحتقان، بل ويرون فيه «تطعيمًا» يرفع مناعة الجبهة الداخليّة. هذه القراءة، وإن بدت براغماتية، تغفل ثلاث حقائق:

التحكّم في مسارات الفتنة الرقمية وهمٌ؛ إذا انطلقتْ تفلتتْ.

قياس الرأي وسط ضجيج مُصطنع يُنتج بياناتٍ ملوّثة.

التطعيم الزائد قد يتحوّل إلى سمّ تراكميّ يُضعف الثقة بدل تقويتها.

استثمار الجهل

الأعداء يُراهنون على شريحةٍ مستسلِمةٍ للمحتوى الانفعاليّ – "القطيع" – مُعتَّمةِ الرؤية النقدية. كلَّما تقلّصت تلك الشريحةُ بفعل تعليمٍ وتفكيرٍ ناقد، خسروا ذخيرتَهم.

حلول ذكية

Pre‑bunk مبكر: كشفُ السردية قبل انتشارها يحرِّر الانتباه.

وحدة تقصّي داخل BETH تَرصدُ الأنماط وتُفكّك الرسائل.

تحالف وعي بين الإعلام والمدرسة والمنصّات؛ غرسُ ميتاعرفيةٍ تُعلّم القارئ مراقبة أفكاره.

محتوى بديل جذّاب يتفوّق على الدسائس بمزيج "الإثارة المحايدة الذكية".

خاتمة رمزية

كلُّ غرفةٍ مظلمةٍ تخشى النور؛ وما إن ينكسر قفلُ الأسلوب القديم حتى ينعكس وهجُ الحقيقة على الجدران العتيقة، فيرى القطيعُ أنّ المروّج مجرّدُ ظلٍّ بلا قامة.

كلُّ إشاعةٍ مرآةٌ غُبِّش سطحُها؛ نمسحُها بفكرةٍ ناقدة، فينعكس وجهُ الحقيقة بلا تشويه.